إن الزواج الحقيقي تنطوي أهميته ومعناه على الحب وهو الحب بمعناه الروحي، وهو بلفظ أدق الاتحاد في الروح والجسد. وعندما يربط الحب بين الزوجين فإنهما يتطلعان إلى أن يصبحا شخصاً واحداً..
والوسيلة التي تركتها لهما الطبيعة هي ذلك التوحد الجسدي الوثيق – ومن الخطأ اعتبار العلاقة الجنسية بين الزوجين هي الغاية من الزواج مهما تنوعت الأحاسيس الجسدية ومهما كانت درجة التفاعل.. إن السعادة الحقيقية لن تكون بدون تلك الراحة النفسية التي يتطلع إليها البشر في كل مكان.
وقد أثبتت الدراسات النفسية الحديثة أن السكن والمودة والرحمة بين الزوجين تزداد قوة وذلك بوجود التوافق الجنسي بينهما وذلك لأن العلاقة الجنسية بحكم طبيعتها مصدر نشوة ولذة فهي تشبع حاجة ملحة لدى الرجل والمرأة على حد سواء.. واضطراب إشباع هذه الغريزة لمدة طويلة يسبب توتراً نفسياً ونفوراً بين الزوجين، إلى درجة اقتناع كثير من المتخصصين بضرورة البحث وراء كل زواج فاشل أو متعثر عن اضطراب من هذا النوع..
وكثيراً ما يتنقل العديد من هؤلاء الأزواج بين العيادات الطبية والنفسية مدة طويلة يبحثون عن العلاج لشكواهم ومشاكلهم دون جدوى وهم لا يدرون أو يعرفون ولا يصرحون أن وراء كل ذلك معاناة وإضرابا في العلاقات الجنسية؛ وفي المقابل فإن العديد من الصعوبات والمشكلات داخل الأسرة يمكن أن يغطى عليها ويتغلب عليها ويخفف من وقعها وجود توافق جنسي بين الزوجين؛ ذلك أن الارتواء الجنسي المشبع يجعل الحب وعلاقة المودة يتجددان باستمرار مما يورث ويترك نوعاً من الرضا عن الآخر، ويجعل كُلاً من الزوج والزوجة يغضان الطرف عن هفوات الآخر سواء كان الآخر الزوجة أو الزوج.
ولكن نريد هنا أن نوضح أهمية بالغة في العلاقات الجنسية وهي عدم الإفراط والإجهاد فيها وليكن ذلك بطريقة حكيمة وتحفظ مناسب، وحتى لا يصاب كلا الطرفين بالملل من هذه العلاقة ويصبح كل منها ينفر منها بعد ما كانت محببة إليهما.. كل ذلك قد يكون سببه الإسراف والإفراط في ممارستها.
وأريد أن أوضح في هذا المقام أسباب سوء التوافق الجنسي بين الزوجين ومنها:
1- الجهل بحق المرأة في المتعة الجنسية: وهذا يرجع إلى النظرة إلى المرأة - وهذا غير صحيح تماماً - أنها مصدر متعة وكفى!! وعليها أن تهتم بالإنجاب والأولاد، أما الاستمتاع فهو من حق الرجل وحده! وهذا مناقض لقواعد الزواج السليم كما هو مناقض للشرع الكريم أولاً الذي يقتضي أن من الواجب على الزوج أن يعف زوجته كما أن من الواجب عليها أن تعفه؛ ذلك أن التصور الذي يقتضي بأن تكون الزوجة إيجابية أثناء العملية الجنسية يكسب هذه العملية مزيداً من الإثارة والحيوية والبهجة. ويجعل المرأة أكثر شعوراً بالمتعة وأكثر تحقيقاًَ للذات.
2- فتور العواطف بعد فترة من الزواج: فعادة ما يسبق الحياة الزوجية نوع من التلهف والتشوق لدى كل من الزوجين تجاه الآخر، وقد يستمر فترة بعد الزواج، لكن كثيراً ما يعقب ذلك فتور في العاطفة المتأججة فتقل رغبة كل واحد من الزوجين للآخر- قد يكون من أسباب ذلك قصر ارتباط علاقة المحبة والمودة بين الزوجين على الجانب المادي الجنسي وعدم محاولة تنمية مختلف جوانبها الإيمانية والمعنوية والفكرية والجسدية.
إن على الزوجين إعادة إحياء الحب بينهما فترة بعد أخرى ومراجعة علاقتهما وتطويرها؛ فالكلمة الطيبة واللفتة الحانية والهدية ولو بسيطة، والاهتمام والإنصات والتفضيل في المعاملة، كل ذلك من ضرورات إحياء الحب وينعشه ويقيه من المنغصات، وهذا وحده يحقق ما علمنا المولى سبحانه وتعالى أن ندعو به: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان.
إن كل من يتمتع بجمال الروح والطبيعة العاطفية والإنسانية يعرف تماماً أنه لن يحصل على السعادة الزوجية بالإحساس الجنسي فقط دون العنصر النفسي والروحي والمداعبات الزوجية التي لا تتم بدون الحب الذي يمزج الروح بالجسد ليعزفا معاً سيمفونية السعادة الزوجية حتى لا تصبح العلاقة الزوجية مثل العلاقات غير المشروعة والمحرمة التي لا تصيب الإنسان إلا بالنفور والشعور بالذنب.
متمنياً للجميع السعادة والصحة والعافية.